الداخله وروضة سدير وعبق التاريخ
رقية سليمان الهويريني..
نقلاً عن جريدة الجزيرة
سعدت بدعوة كريمة من د. عبد العزيز الغزي رئيس الجمعية السعودية للمتاحف والآثار لزيارة بعض بلدان منطقة سدير الحبيبة، وتبعها تحريض لطيف من الزميل يوسف محمد العتيق المشرف على صفحة (الوراق) بجريدتنا (الجزيرة) لقبول الدعوة وإغراءاته باشتمال الرحلة على فعاليات متعددة عدا عن الحظوة برؤية مسقط رأس والديه وموئل أسرته الكريمة.
وكانت الرحلة موفقة بإدارتها الراقية الحريصة على راحة الوفد، وممتعة بأعضائها متخصصي الآثار ومحترفي التصوير وحاملي الأختام الباقين!!
تمت المغادرة من جامعة الملك سعود في وقت باكر في يوم شتوي ممطر، وكانت الرفقة متناغمة ومنسجمة بعد استكمال مراسم التعارف السريعة ومغادرة الرياض.
وصلنا لبلدة الداخلة وكان الشيخ الوقور الوالد محمد العتيق في استقبال الوفد أمام المسجد العريق الذي يتجاوز بناؤه سبعة قرون وأعيد ترميمه بجهود الأهالي، وهو بحق شكل معماري مغرق بالتراث ورائحة التاريخ بقوة الأساسات ومتانة الأعمدة واتساع المداخل وتعددها، فضلا عن إطلالته شرقا على المزارع وعلى المنازل غربا.
وما استرعى انتباهي وسرني؛ ما أشار له الشيخ العتيق من حرص الأهالي آنذاك على مشاركة المرأة للرجل بالاستماع لخطبة الجمعة عبر فتحات في جدران المسجد أعدت لهذا الغرض؛ مما يؤكد النظرة الإيجابية للمرأة ومشاركتها للرجل بحضور الخطبة الأسبوعية، ويؤيد ذلك التقدير الذي لمسته سيدات الوفد من أهل الداخلة الكرام.
ويبدو أن سكانها كانوا متشوقين للحضارة، حيث أشار الشيخ العتيق أنها أول بلدة في سدير تَدافع سكانها لاستخدام الأنابيب لتوصيل المياه إلى منازلهم قبل أكثر من 60 سنة.
ولم يكن المصور محمد السويح بعيدا عن حب بلدته وتوثيق أحداثها من خلال الكاميرا حيث سعى لترميم منزل أسرته الذي أقيم عام1347هـ وحافظ على شكله وهيئته، وزيَّنه بالصور التي التقطها بنفسه مما يشير إلى رهافة إحساس يتمتع بها الرجل وقوة انتماء لبلدته.
من جماليات الرحلة مشاهدة مرسم الأستاذ إبراهيم الفارس الفنان التشكيلي وأحد أعيان روضة سدير الذي أبهرنا برسوماته التكعيبية والسريالية وفيها دلالة على ما يملكه من حس مرهف واستغراق بالخيال والجمال، فضلا عن كرمه واستضافته للوفد في مزرعته وما تخلل ذلك من ترحيب وإلقاء قصيدة جميلة من لدن الشاعر إبراهيم الغنام، كما أن الفارس على علم بالتاريخ ووقائعه؛ فقد ذكر ما عاناه سكانها من اجتياح السيول لمزارعهم وتخريبها لمنتجاتها، فقام أميرها آنذاك رميزان بن غشام التميمي قبل أربعة قرون ببناء سد (السبعين) يتخلله سبعون عبارة أو قنطرة يجري من خلالها ما يرتفع من منسوب السيل إلى الروضة والداخلة واستعان في تشييده بالأتراك، وكان السد بحق بناء متكاملا ومحكماً ومنيعاً وفريدا من نوعه حيث بني من الأحجار الكبيرة والمرصوصة بشكل هندسي خلاب، ويزيد ارتفاعه عن المترين وقد أقيم بمنتهى الذكاء والحذق وساهم بحجز الماء والاحتفاظ به للمزارعين مما أثار حفيظة بعض البلدان المجاورة، ولكنه عالج مشكلة متكررة ومؤرقة للسكان وأصبح فيما بعد حصنا منيعا لتلك البلدة.
وفي عودة سدير انتهت الرحلة الممتعة، وسيكون لها نصيب من الحديث في المقال القادم إن شاء الله.
فيما يلي بعض الصور من اختيار ادارة الموقع:
في مجلس الأستاذ إبراهيم الفارس بالاستراحة
المعرض الفني للفارس
سد السبعين في روضة سدير
مع الأستاذ أحمد أبو حيمد في عودة سدير
لمجلس في بيت الضويحي في العودة
الجصة .. وهو مكان لتخزين التمر