اخبار

محمد الحليلة طائر البر الودود

نشرت جريدة الجزيرة في عددها رقم 11492 الصادر في يوم الثلاثاء 25 ,محرم 1425 المقال التالي عن محمد بن عثمان الحليلة الصديق الخاص لأبي فهد

محمد الحليلة طائر البر الودود
الذاكرة الشفهية لبراري المملكة
يوسف بن محمد العتيق

أبو حمد محمد الحليلة في إحدى الرحلات البرية القديمة

يحفل مجتمعنا السعودي بحمد الله برجال كثيرين لا يزالون يؤدون رسالتهم في الحياة دون النظر إلى ظهور إعلامي أو مكانة اجتماعية أو مدح الآخرين بل كل تفكيرهم في أن يكون عملهم مرضياً لله أولا ثم مرضياً لضميرهم، وأن يكونوا نواة صالحة في مجتمعنا وأن يقوموا بأداء واجباتهم خير قيام وأخذ حقوقهم بالطريقة المناسبة.

دعوني أضرب لكم مثلا عن أحد هؤلاء الرجال الذين وإن لم يكن لهم حظ كبير في الظهور في وسائل الإعلام إلا أن لهم دورا كبيرا في مجتمعهم وبين اقاربهم ومحبيهم واصدقائهم، ومن تربطهم بهم صلة أو صداقة.

محمد بن عثمان الحليلة أو (أبو حمد) كما هو مشهور به ومعروف عند الجميع الصغير والكبير، رجل أنموذج لرجالات هذا الوطن الكبير المعطاء الذي شرفه الله بالحرمين الشريفين، وبقيادة حكيمة نقلت هذه الأراضي -بفضل الله- من قارة صحراوية إلى أرض الخير والحضارة.

أبو حمد رجل مخلص لهذا الوطن بكل المقاييس.. هل تصدقون أنه في الثمانينات الهجرية كانت لديه ورشة لصيانة السيارات وكانت العمالة التي معه من السعوديين، ومن أبناء البلد. وقد تخرج على يديه (في مهنته هذه) الكثير من الميكانيكيين من أبناء هذا الوطن، ووصلوا على مواقع مهمة في وزارات البلد كدفعات قديمة في الميكانيكا قبل التدريب المهني وبجهودهم الذاتية وبامكاناتهم الخاصة!! فقد كانت له ولجيله صولات وجولات ومواقف مع ميكانيكا السيارات في وقت كانت السيارات زائرا حديثا على الجميع.

وأما أكبر معالم حياة هذا الرجل (الذي جاوز الخامسة والستين) لدى القاصي والداني ولدى الحاضرة والبادية أنه عاشق البر والصحراء والقنص ولو قال قائل إنه قضى متنقلا في البر والصحراء بقدر ما بقي في المدينة لكان صادقا.

أبو حمد منذ أن فتحت عيناه على الدنيا وهو لا يترك رحلات الصحراء إلا في أصعب الظروف بل وحتى بعد أن تقدم به السن وأتعبته أمراض الظهر والسكر وغيرها لم يترك الصحراء والبر والرحلات الخلوية.
وبكل أمانة وتجرد لو قدر لشيخنا الجليل محمد بن عثمان الحليلة -حفظه الله- أن يكتب او يروي قصصه وأخباره في البادية وما تعرض له ورفقته من مواقف خطيرة ومثيرة وسعيدة أو حزينة لكان كتابا عظيما يدون لك أخبارا لا يمل القارئ من قراءتها. فقد تعطلوا داخل الصحراء وفي أماكن موحشة أياما عديدة وقبل ظهور أجهزة تحديد المواقع وقبل الجوال، وكانت الأجهزة التي ترشدهم في الصحراء والبادية هي أعينهم وعقولهم سواء كان في وضح النهار أم في الليل الموحش.

وإن كان من شيء يذكر عن هذا الرجل فهو اقدامه الكبير والخطير في مواقع برية في غاية الصعوبة والخطورة فكم من سيارة له كان قائدها وكان نصيبها التلف والكسر بعد رحلات برية في أصعب الأماكن.
والله انه حتى في ذهابه للبر والصحراء ليس مستمتعا فحسب بل مربيا ومدرسا ومعلما وموجها لمن معه، وإن كنت أنسى فلن أنسى عشقه للبر والصحراء.. إنه عاشق صادق ومحب مخلص ولنا معه في كل رحلة درس وتوجيه أخذه الجميع منه، وبخاصة في جانب الحزم في التعامل والجدية والانضباط، والتحلي بالهدوء التي هي أبرز صفات من أراد أن يكون عاشقا للبر باحثا عن الصيد.

ومن ذلك أن أي شجرة في البر يستظل بها الحليلة أتاها السعد، فما إن يأتي تحت ظل هذه الشجرة حتى يقوم بالواجب تجاهها من تنظيف كامل للمكان وإبعاد مخلفات الآخرين عن الشجرة حتى تكون هذه الشجرة عروسة جميلة في الصحراء.

ووالله إني لأنسى حينما كنت متشرفا بصحبته في رحلة برية، وكنت طفلا صغيرا وما أن وصلنا تحت ظل شجرة معروفة في منطقة (روضة الخفس) حتى أتيت للجلوس قبل الآخرين من كبار وغيرهم وإذا بي أتفاجأ بأن الجميع كخلية نحل لتنظيف المكان وهو في مقدمتهم وما أن رآني جالسا حتى اعطاني عدة عبارات توجيهية بخطاب حاد وعين قوية مما جعلني احترمه كثيرا وأحبه أكثر.

وأبو حمد لمن لا يعرفه ليس من أغنياء الناس ولا أثريائهم لكن ما إن يأتيه خبر عن أحد الأقارب أو الاصدقاء وقد هم بزواج أو بناء منزل إلا وهو أول الداعمين له والمساعدين، ويتبع ذلك بقوله عن السداد (من عسرك إلى يسرك) وأما الكرم فحدث ولا حرج فقد أصبح منزله بحي الملز في العاصمة الرياض أو بيته في روضة سدير ومزرعته بالزلفي مقصدا للجميع في كل مكان.

وقد حصلت له من رحلاته البرية هذه جملة من العلاقات التي لا تقدر بثمن برجالات البادية والحاضرة في كل مكان فتجده يوما في الصمان ومرة أخرى تجده في الشوكي وثالثة وصل إلى المسيجيد قرب المدينة المنورة، كل هذه الرحلات ما بين قنص للطيور وصيد للضبان أو استمتاع برؤية الأعشاب والخضرة في كل مكان، وهذه هي سعادته التي لا تقدر لديه بأي شيء آخر.

وقد تشكلت لديه في هذه الرحلات رفقة رائعة عشقوا البر حتى أن البر عشقهم وتنفسوا هواء الصحراء حتى لم يفارقهم، ومنهم من توفي إلى رحمه الله سبحانه وتعالى، ومنهم من يؤدي دوره في الحياة سائلين الله الرحمة للأموات والتوفيق للأحياء، ومنهم: خاله عبدالعزيز بن محارب، وشقيقه سعد رحمه الله، وصديقه العزيز محمد العواد رحمه الله، وعبدالمحسن المعيلي رحمه الله، وعبدالله الحفير ومحمد الحجي رحمهم الله.. وغيرهم ممن رحل إلى الدار الآخرة رحمهم الله رحمة واسعة.

وممن لا يزالون بحمد الله أحياء من هذه المجموعة الشيخ حمود العبدالله الحمود، وخفيف الظل وصاحب الدعابات الشيخ عبدالرحمن المشاري العنقري شفاه الله وعافاه، ورفيق دربهم وصديقهم مسعود بن صالح الأحمدي ابن بلدة المسيجيد البار ومنهم الأستاذ محمد بن إبراهيم العتيق والاستاذ محمد الاحيدب شفاه الله ورعاه وغيرهم.

ومن ابرز صفات شيخنا الحليلة -شفاه الله وعافاه- خفة الدم وحلاوة الروح والمداعبة والمزاح التي يشمل الجميع بها وبخاصة الصغار سواء كانوا من أحفاده أو من ضيوفه وأبنائهم. ومما يذكر ل (أبو حمد) ما وفقه الله به من أبناء وبنات هم خير ما يتمناه كل شخص في هذه الدنيا فقد وفقه الله لمجموعة من الأبناء يتمثلون معاني القدوة في كل مناحي الحياة. وقد وفقهم الله لأن يأخذوا مواقع جيدة في المجتمع بين المواقع الحكومية والتجارية ليقوموا بدورهم خير قيام، وتاجهم والدتهم المرأة الصالحة المربية الفاضلة زادها الله من توفيقه وأقر عينها بكل ما تصبو إليه.

وفي الختام لعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن مثل هذا الرجل كثيرون في مجتمعنا بحمد الله لكن هذا الرجل أتى الحديث عنه لانه يستحق ذلك وأكثر، ولأني منذ أن خرجت إلى هذه الدنيا وأنا اسمع عبارات الثناء عليه وعلى مواقفه الطيبة تجاه وطنه وأبناء هذا الوطن المعطاء وأسأل الله أن يجمع له بين الأجر والعافية والشفاء العاجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى