مذكرات ميكانيكي سابق
محمد بن إبراهيم العتيق
في عام 1379هـ كنت طالباً في معهد المعلمين الابتدائي بروضة سدير القريبة من بلدتي الداخلة شمال غرب مدينة الرياض على بعد 165 كم.
ولم أستمر في هذه الدراسة لبعض الظروف، وقرت الذهاب من قريتي الداخلة إلى العاصمة الرياض للبحث عن العمل، ووصلت الرياض وسكنت عند العم عبد العزيز رحمه الله
ومن الصدف المباركة أني وصلت الرياض في أول العطلة الصيفية وتوافق الحال مع ابن العم سليمان فاشتغلنا معاً في أعمال البناء ، وكان العمل صعباً علينا ، لكن للحاجة اضطررنا لذلك فعملنا في شركة الكهرباء في أعمال الحفريات في المحطة الثانية ، وكان عملاً غير سهل ، ففكرت في ترك هذا العمل وتركت للبحث عن عمل آخر وبالفعل وجدت عملاً عند صاحب مكتب لتعقيب الجوازات اسمه حسن جستينة ، وعملت لديه بعض الوقت معقبا في جوازات الرياض وقت أن كان يرأسها الشيخ محمد بن ضاوي رحمة الله عليه ، وبعد وقت قصير تعرفت على شيء قليل من معترك الحياة وتقدمت بطلب للعمل في بلدية الرياض وقبل طلبي ، وبخاصة أن لدي شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، فعملت في أمانة مدينة الرياض في قسم مصلحة الرسوم، وكان في ذلك الوقت يرأسها الأستاذ صالح السليمان الفداء – رحمه الله تعالى – وكنت أتقاضى راتباً مقطوعاً قدره أربعة ريالات يومياً.
وكانت طبيعة عملي في الأمانة أن أباشر في أكثر من مكان منها: حراج الكويتية، وحديقة الحيوانات بالملز، لكن ولصعوبة المعيشة وعدم كفاية الراتب ، قررت أن أبحث عن مصدر آخر للرزق فكانت بدايتي مع ميكانيكا السيارات.
من هنا بدأت علاقتي بالميكانيكا
كانت أمانة الرياض أثناء عملي فيها قد صرفت لي موتوسيكل دباب للتنقل به ، وفي أحد الأيام وبينما كنت أهم بالرجوع من حديقة الحيوانات إلى البيت من عملي بعد انتهاء الدوام، تعطل هذا الدباب فبحثت عن وسيلة نقل ولم أجد، لأن الوقت كان متأخراً بعد غروب الشمس، فتركت الدباب في مكان العمل ورجعت ماشياً من الحديقة إلى حلة القصمان من طريق مختصر
لكن الدباب تعطل مرة أخرى في يوم آخر بينما كنت خارجاً من البيت إلى العمل أثناء مروري في شارع الريل – وكان هذا الشارع مركزاً لورش ميكانيكا السيارات وقطع الغيار والحدادة – وكنت قريباً من ورشة أحد الميكانيكيين السعوديين وهو محمد بن عثمان الحليلة – رحمه الله – من أهالي روضة سدير، فاتجهت إلى محل مصلح بطاريات في ركن ورشة الحليلة وتركتها عنده وذهبت إلى عملي عن طريق سيارة الأجرة، وبعد عودتي من العمل رجعت إلى الورشة لأخذ الدباب ومحاولة إصلاحه، فقابلني على مدخل الورشة محمد الحليلة صاحب الورشة وبادرني بقوله مازحاً: (وش في حصان إبليس !؟) – يقصد الدباب – فقلت له بأنه تعطّل عليّ وأنا في طريقي إلى العمل فتركته لديكم عند مصلح البطاريات على أن أعود لأخذه بعد نهاية دوامي، وبيّنت له بأني أظن العطل في (البلاتين)، فطلب مني تحديد مكان البلاتين ليكشف عليه، وفي وقت وجيز نظر في مكان العطل
أبو حمد محمد الحليلة في إحدى الرحلات البرية القديمة القريبة من الرياض وهي في شعيب الطيري
ثم وجّه المفك الذي كان بيده من الأساس وقام برفع العدسة وإرجاعها إلى مكانها، ثم قال لي (شغل) وشغلت الدباب فما كان منه إلاّ أن عمل جيداً، فأعطيته عشرة ريالات مقابل جهده لكنه ابتسم ورفض أخذها، ولم أنس أبداً هذا الموقف مع محمد الحليلة – رحمه الله -، ولا زلت أتذكر جيداً التعامل الراقي لهذا الإنسان الطيب معي والذي كان أول خطوة لي في دخول عالم ميكانيكا السيارات في فترة مبكرة من حياتي، وفي فترة متقدمة من اهتمام أبناء هذا الوطن بهذه المهنة التي تعاني حتى الآن من شح السعوديين مع الأسف.
وفي عام 1382 هجرية أعلن مركز التدريب المهني الأول في الرياض عن دورة دراسية في ميكانيكا السيارات.
وكان عملي في المساء وتقدمت وقبل طلبي وبمشورة ونصيحة من أستاذي محمد بن عثمان الحليلة، تقدمت للتسجيل في هذه الدورة في مقرهم الواقع في شارع الجامعة والذي لا يزال قائماً حتى الآن.
كان عدد المتقدمين كبيراً، وقد شفعت لي شهادة المرحلة الابتدائية بالقبول، وكان المركز في ذلك الوقت في حالة تأسيس وقد بدأ بعدد محدود من التخصصات، وكنت ضمن قسم ميكانيكا السيارات، وكان عدد المتقدمين لذلك القسم حوالي خمسة عشر طالبا أتذكر منهم: محمد العثمان، وعتيق بن خضر الزهراني، وعبد المحسن الدهمش، إبراهيم الحميضي، وغيرهم.
في بداية الدورة توجّهنا إلى قسم البرادة لكي نتعلم أصول الصنعة ولمدة ثلاثة أشهر، وكان في استقبالنا كل من الأستاذ محمد الهديب والأستاذ عبد العزيز كعبور ، ويرأسهم خبير من المملكة المتحدة للإشراف على القسم، وتدربنا في هذا القسم كيف نعمل المسامير، وكيف يتم تنظيم أسطح القطع، وهذا العمل كله باليد وليس بالآلات وعلى الملزمة – أداة تثبيت القطعة للعمل بها – علماً بأنه يوجد في ذلك الوقت أدوات مخصصة لعمل هذه الأشياء، ولكن أصول الصنعة تفرض على المتدرب القيام بذلك.
وبعد إنهاء تدريبنا بقسم البرادة انتقلت المجموعة التي كنت ضمنها إلى قسم ماكينة السيارة بأقسامها الثلاثة، وهي: ثمانية سلندر، ستة سلندر، أربعة سلندر ، وكان في استقبالنا مدربون منهم: المهندس صالح الرميزان، والمهندس عبد العزيز الناهض وعلى رأسهم خبير أمريكي، وكنا ندرك في تلك الفترة بأنّ ماكينة السيارة تعتبر روح السيارة، ولا أنسى وقفات المدربين الكرام معنا، ولحماسنا وتلهفنا وحبنا لهذه الحرفة فقد كنا في شوق لإتقان أمور هذه الصنعة، وكانت مدة تدريبنا في هذا القسم ستة أشهر.
بعد نهاية التدريب على ماكينة السيارة، انتقلنا إلى قسم مقدمة السيارة والذي يرأسه المهندس محمد الجبرين وتستمر الدراسة فيه لمدة ثلاثة أشهر، والمقدمة تتكون من: العجلات الأمامية، وأجهزة التعليق من مساعدات ومقصات، وكمرات، وسست، وهوبات الفرامل، وأقمشة وعلب الفرامل.
بعد ذلك انتقلت ضمن المجموعة إلى قسم الكهرباء، وكان في استقبالنا المهندس عبدالرحمن اليعيش، وتدربت فيه على إصلاح دينموات الكهرباء والأنوار وكل ما يتعلق بكهرباء السيارات.
وبعد ذلك انتقلنا إلى قسم الديزل وكانت دورة قصيرة تعلمنا فيها مبادئ صيانة مكائن الديزل.
وقد أقيم حفل تخرّج بهذه المناسبة وكانت دفعتنا الدفعة الأولى في مجالها، وهذه باختصار هي محطات دراسة طالب ميكانيكا السيارات قبل قرابة نصف القرن.
حياتي العملية كميكانيكي سيارات ، بعد ذلك باشرت حياتي العملية وكانت البداية ميكانيكي سيارات في شركة اسمنت اليمامة في مصنعها الكائن على طريق الخرج، وعملت فيها حوالي سنتين وأتذكر من موظفي تلك الفترة من السعوديين: عبدالعزيز بن الشيخ محمد البواردي، وعبدالرحمن المهنا، وحمدان الغامدي.
وفي هذه المدة انقطعت عن الاصدقاء ومنهم محمد العبدالرحمن الاحيدب ومحمد العبد الرحمن العواد وقد أشاروا علي حيث كانوا موظفين في الدولة بان ابحث عن وظيفة في احد الوزارات وبالفعل حصلت علي وظيفة في الحرس الوطني ، وتقدمت ضمن المتقدمين ووفقت ونجحت في المسابقة وعينت في كراج الدمام بالمنطقة الشرقية.
بعدها عملت في المجال نفسه برئاسة الحرس الوطني في فترة لم تدم طويلاً، لأنّ مقر العمل كان بالمنطقة الشرقية ،فزادت الحسرة حيث ابتعدت عن الأهل والأصدقاء وحاولت النقل للرياض ، وبعد جهد وشفاعة عدد من الأصدقاء وفقت في نقل خدماتي بشفاعة الأخوين إبراهيم ومحمد الاحيدب.
فانتقلت إلى المحطة الأهم لي في هذه المهنة، حيث وجدت فرصة للعمل في وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقاً)، وكان ذلك في النصف الأول من عام 1387 من الهجرة، حيث عملت في كراج الوزارة في مدينة الرياض وعملت في عدد من المواقع تحت مسمى ميكانيكي سيارات، وقد تدرّجت من مساعد ميكانيكي إلى ميكانيكي ثم مديراً لكراج الوزارة، ثم مديراً لإدارة الحركة والكراج إلى أن تقاعدت عام 1417هـ، ولا أنسى أن أذكر أسماء بعض من عملت معهم في تلك الفترة، ومنهم: المهندس عبدالكريم البريثن، الشيخ عبدالعزيز الخراشي، وعلى رأسهم الأستاذ محمد بن حمد النوح. وعبدالله الصالح الحفير كان ايامها مدير قسم الحسابات وكان رجل طيب وكريم ومطيع لوالديه
وفي عملي بالوزارة كلفت بعدة أعمال خارج وقت الدوام ، ففي عام 90/91هجرية استدعاني الأستاذ الفاضل عبد العزيز العبدان للعمل معه في لجنة اختبار الكفاءة المتوسطة وعملت معه سنتين وبشفاعة الصديق محمد العواد رحمه الله ، تم بعدها كلفت في لجنة الثانوية مع فضيلة الشيخ محمد بن سليمان بن منيع غفر الله له آمين ، وبعد ذلك بقيت في لجنة الثانوية لعدة أعوام مع كل من الشيخ عبدالعزيز السلمان و الشيخ صالح الطويان والأستاذ فهد الرقيبة والاستاذ محمد الهويش ، وأخيراً مع الأستاذ عبد الرحمن العبدلي حتى عام 1404 هجرية وقد كلفت بعدد من المهام إلى عدد من مناطق التعليم خلال مدة عملي.
ليعذرني القارئ إن أطلت في جانب قد يراه البعض شخصياً، لكنه احتوى على وصف لما مر بي في حياتي الدراسية والعملية راجياً أن أكون قد سلّطت الضوء على جانب مهم يستحق التسجيل والدراسة من قبل المهتمين، كما أرجو أن أكون قد فتحت الباب لزملاء آخرين للحديث عن تجربتهم في هذا المجال المهم من تاريخ التعامل مع السيارات في وطني، وأتذكّر في تلك الفترة بأنه في فترة الثمانينات الهجرية كان أبرز أنواع السيارات المستخدمة والتي كنت أتعامل معها في عامة الورش: فورد، دوج، مرسيدس، وبعض أنواع الجي أم لكنه قليل، والغالبية فورد لأنه يستخدم في النقل.
أما أشهر أنواع التعامل مع الأعطال في تلك الفترة فكان: تركيب ووزن البليتين، تركيب، تغيير وتركيب وإصلاح الفرامل، أما أبرز أعمال الصيانة الدورية فهي: تفقد سيور الماكينة ووزن الفرامل، علماً بأنّ أكثر فرامل السيارات ليست أوتوماتيكية بل توزن يدوياً، هذا بالنسبة للميكانيكا، أما الكهرباء فغالباً يكون الأعطال في الشمعات ولمبات الاصطبات الخلفية.
وبالنسبة لسيارات الديزل فعملي كان قليلاً فيها لأنها ليست دارجة بيننا لقلة استخدامها في تلك الفترة عدا سيارات النقل الكبيرة.
أما ما يتعلق بقطع غيار السيارات التي كنا نقوم بإصلاحها فأكثرها كان متوفراً في محلات تقع في شارع الريل بحلة القصمان – سابقاً – بما فيها بعض وكالات السيارات والتي توفر قطع الغيار الأصلية، كما أنه يوجد قطع غيار غير أصلية لكنها قليلة وغير مرغوبة، وكنت أتعامل مع عدة محلات ووكالات منها: شركة الدريس لقطع الغيار، شركة الفوزان، محلات الشيخ عبدالله المنيفي، والسيد عبود عمر باحليوه.
ومما يجدر ذكره أن بعض قطع غيار السيارات تكون مقطوعة من السوق فنضطر لإحضار بدائل لها من محلات تشليح السيارات في أطراف مدينة الرياض وخصوصاً الجنوبية منها في طريق الخرج.
هذا ما أتى في ذاكرتي وآمل أن أكون قد وفّقت فيما كتبت.