عبارات من العبرات بفراق الشيخ العتيق
نشرت جريدة الجزيرة في عدد يوم الأثنين 06 رجب 1430 العدد 13423 مقالاً للأستاذ بدر بن علي بن طامي العتيبي يرثي فيه الشيخ ابراهيم بن عبدالله العتيق رحمه الله فيما يلي نصه :
عبارات من العبرات بفراق الشيخ العتيق
بدر بن علي بن طامي العتيبي
لقد فُجعَ المسلمون يوم الخميس الماضي 25 جمادى الآخرة 1430هـ بوفاة الشيخ العلامة المعمر إبراهيم بن الشيخ عبدالله بن حمد بن عتيق رحمه الله تعالى.
وهو من قضاة مدينة الرياض، وكان ميلاده – فيما أخبرني به – عام 1339هـ، وهو عالم جليل، وفاضل نبيل، وفقيه بارع، وناسك زاهد، من أسرة علمية جليلة مشهورة بالعلم.
وقد اكتنفه العلم من جوانب عدة، فهو عالمٌ ابن عالم حفيد عالم ابن أخ عالم تلميذ عالم! فهو عالم جليل، ووالده الشيخ عبدالله بن عتيق عالم جليل توفي عام (1342هـ) وجده الإمام العلامة حمد بن علي بن عتيق (ت 1301هـ)، وعمُّه الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض (ت 1349هـ)، وبقية أعمامه علماء قضاة كعبدالعزيز وعبداللطيف وغيرهم
.
وشيخه سماحة الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية المتوفي عام (ت1386هـ) رحمه الله تعالى.
وآل عتيق من بيوت العلم المشهورة، ورأسهم وعالمهم الإمام حمد بن علي بن عتيق رحمه الله تعالى، فلا عجب أن تُنتج هذه البيئة شيخنا العلامة إبراهيم بن عتيق رحمه الله تعالى.
وقد سألته رحمه الله تعالى عن ملازمته للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فأخبرني بأنه لازمه سنين وقرأ عنده (الروض المريع) و(عمدة الأحكام) و(الوسطية) و (نخبة الفكر) و (المتون المختصرة) للإمام محمد بن عبدالوهاب و (ألفية ابن مالك) و (قطر الندى) وغيرها.
كما قرأ شيخنا رحمه الله عند الشيخ العلامة محمد بن عبداللطيف (ت 1367هـ) رحمه الله تعالى ولم يكثر عليه القراءة، ومما قرأ عنده (العقيدة الواسطية) و (كتاب التوحيد).
وقرأ عند الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب (1387هـ)، ومما قرأ عنده (كتاب التوحيد)، وظهر لي من شيخنا محبته للشيخ (أبو حبيب) وسمعته يقول غير مرة: أبو حبيب حبيب.
وأخبرني بأن له قراءة عند الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي (1393هـ) رحمه الله تعالى. وقرأ عند الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي (ت1392هـ) كتاب (الروض المريع) وقد تولى شيخنا القضاء في مواطن عدة بداية بمدينة قرية ثم عرقة والحلوة والمزاحمية إلى أن عين قاضياً في مدينة الرياض.
وقد أكرمني الله تعالى بالدراسة عند شيخنا رحمه الله تعالى في بيته بالرياض، وقرأت عليه في التوحيد والفقه والحديث وغير ذلك، ورأيته عالماً مهيباً، مع لطف وكرم وأدب، سريع الدمعة، لين الجناب.
وكان سريع العبرة كثير البكاء عند القراءة، محباً للسلف والعلماء الصالحين، ولما ختمت عنده كتاب (كشف الشبهات) للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، أخذ الكتاب من يدي ثم وقف ومسك الكتاب بيديه وقبله ورفع وجهه إلى السماء وقال: اللهم إني أشهدك بأنني أحب الإمام محمد بن عبدالوهاب، اللهم أرحمه واغفر له.
وكان من كرم شيخنا إذا جئته تقديم ما تيسر من الطعام مع جميل التلطف، وجميل الدعابة، وإذا التمست منه العذر قال لي: لابد أن تطعم عندي، وهذا من حقي عليك، ثم يقول: مشايخنا: من زار أخاه ثم لم يطعم عنده فكأنما زار قبره.
وقد فُجعُت اليوم كحالي ممن عرف شيخنا بخبر وفاته، فأصبت مُصاب الابن بأبيه، والخليل بخليله، خاصة لما أعلم من شيخنا من محبة العلم، والتزام السنة، وتعظيم الكتاب والأثر، ومحبة أهل التوحيد والسنة، وقد قال أيوب السختياني: إني لأسمع بموت الرجل من أهل السنة فكأنما فقدت عضواً من أعضائي.
فكيف بي وقد فقدت شيخاً أثرياً عالماً جليلاً محباً لأهل العلم والفضل؟!
فما أكثر ما سمعته يثني على شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى وشيخنا الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة وغيرهم من العلماء.
وذكرت له شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان فأجلَّه وعظّمه وقال: هو أحسن الإخوان اليوم.
فعلى فراق مثل الشيخ إبراهيم بن عبدالله بن عتيق تُسكب العبرات، وتعجز الألسن عن جميل العبارات.
وعلى مثله تبكي القريحة بالأشعار لتحاكي دموع العين عند فراق الأخيار، فلم أتمالك قريحتي حتى أنشدت بلسان الحزين الباكي:
عَلَى الشَّيخِ بَدْرِ العِلْمِ نِسْلِ الأطَايِبِ
تَثُجُّ عُيُونِي بالدّمُوعِ السواكبِ
ويحرقُ قَلْبِي وَاهَجَ الحُزْنِ والأسَى
وَقَدْ فَقَدَتْ روحي حليف المناقبِ
عينتُ بهِ من فاقَ في العلمِ والقَضَا
وَذَلِكَ (إبْرَاهيمُ) بَدْرُ المقائِبِ
سليل الهُدَى منْ أسرةِ العلمِ والتُقَى
حُمّاةِ جنابِ الدينِ من كل ثالبِ
أردتُ بهمْ (آل العتيقِ) ولي بهمْ
شيوخ ٌ لهمْ في الدينِ خيرُ المناصبِ
ومَنْ بينهمْ من راعني اليوم موتهُ
وكادَ البكا يردي جدارَ المناكبِ
وكِدتُ أذوقُ الموت مِنْ فرطِ حسرتي
وما الموتُ إلا مِنْ أفُولِ الكواكبِ
وهُمْ عُلماءُ الدين يا ويح مهجتي
وهذا – لعمري- من عظيمِ المصائبِ
وقد ماتَ (إبراهيمُ) مِنْ بعدِ مُدَّةِ
قضاها بعْزمِ النابغينَ الثواقبِ
فما بين علم يكشفُ الغيَّ والعمى
وما بينَ محراب زكي الجوانبِ
بذكر وقرآن وخوفٍ ودمعةٍ
وصوتٍ لهُ في ظلمةِ الليل ناحبِ
أتاهُ بريدُ الموتِ منْ خالقِ الملا
فألحقهُ بالسالفينَ الذواهبِ
فوادعنا والقلبُ من فرطِ حزنهِ
كأنَّ به طعنَ السيوفِ الضواربِ
ووادعنا والعينُ من لوعةِ الأسى
تُحاكي بسكبِ الدمع سودُ السحائبِ
وبالقدرِ المقدورِ آمنتُ والذي
قضاهُ إلهي واقعٌ غيرُ ناكبِ
وسلَّمتُ للمولى العظيم بحكمهِ
ولن أنتهجْ نهجَ الغويِّ المصاخبِ
ولكنه حزني على فقدِ شيخنا
وقدْ باتَ هذا اليومُ تحتَ النصائب
فيا ربّ يا مولايَ يا واسعَ العطا
ويا كامل الإفضالِ مجري السحائبِ
تمرُّ بُسِحْبِ الخيرِ مِنْ فوق قَبْرِهِ
وتغسل ذّنْبَ الشيخِ يا خيرِ واهبِ
وترفعهُ في جنةِ الخُلْدِ رُتْبَةً
وتجمعهُ بالمصطفى نسلِ غالبِ
وتخلفهُ بالخيرِ في كلِّ أهْلهِ
فأنتَ الذي تُرْجى لِنَيلِ المطالبِ
وتجمعنا بالشيخِ مع خيرِ رفقةٍ
بجناتِ عدْنِ وهي خيرُ المآربِ
ويا ربّ يا ذا المنّ والجودِ والعطا
ويا خير مدعوٍ ومسدي المواهبِ
أقِمنَا على التوحيدِ في كُلّ لحظةٍ
وكُنْ عوننا في المعضلاتِ النوائبِ
وآخرُ ما يحْلو الكلامُ بختمِه
صلاةً عَلى المُختارِ مع كُلِّ صاحبِ
اللهم ارحم عبدك وابن عبدك وابن أمتك الشيخ إبراهيم بن عتيق، وارفع درجته في جنات النعيم، واخلفه بخير في ذريته أجمعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
– عضو الدعوة والإرشاد بمركز الدعوة بمحافظة الطائف عضو الجمعية العلمية السعودية لخدمة السنة وعلومها